غربة وشجن

عبد الحميد أحمد محمد

--------------

أصلحك الله وهل تزعم أن الغربة المعنوية أهون من الحسية؟ ما ينبغي ذلك وما يكون

أوشكت أن أقول رحم الله من أوجد لنا البريد الإلكتروني ثم تذكرت جيوش المتنطعة والمتحفزين فقلت "ِإن تعذبهم فإنهم عبادك وَإِن تغفر لهم فإنكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" هذا المخترع يؤنس"الغريب عن بلدو مهما طال غيابو" ويصل حبل من تفرقت بهم السبل في أرض الله ما بين زر أرسال واستقبال يطوف بك في القارات الأرض.

أخ كريم آثر الشتات والمنفى بعد مفاصلة الإسلاميين وانهيار المشروع الذي افنى ربيعاً من عمره وسنوات دراسته الجامعية منافحاً ومقاتلاً عنه متجولاً بين (الغابة والصحراء )من أحراش توريت وكبويتا وحتي جبال ووهاد قرورة ورساي ذلك الأخ إعتصر آلامه ومضى مع أول جامعة خليجية قابلته مدرساً للحاسوب وعلومه.

هذه الأيام أصبح يكثر من الحديث عن رهق الغربة والإغتراب ويذكر النيل والمقرن والخرطوم ..حدثته عن غربة الوطن وأغتراب الروح السودانية وكيف أن السودان أختلف عن سابق عهده وأختلفت على المنابر أحرار وعبدان فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان..ولأني أعلمه مولعاً بالنظم كتبت له:

يا أخوي المعيد أوليتني لفتة ونظرة

في قلبي الهموم وكراعي فوق الجمرة

الحزن اللئيم سكينو دائماً حمره

يقطع في حشاي واعضاي جميع بالزمرة

***

يا أخوي المعيد الغربة ماها صعيبة

صعبة الوحدة وسط الناس رتابة كئيبة

في قلبي الهموم وأحزاني ديمة قريبة

شوف جسمي انتحل والدم دفعتو ضريبة

ونبهته إلى ان تلك ليس حالة تخصني وإنما هو مثال لحالة عامة ثم سألته عن قول ابن الوردي ذلك الشاعر الحكيم الذي خبر الحياة وخبرته فأخرج لنا عصارة تجاربه :

حبك الأوطان عجز ظاهر / فارتحل تلقى عن الاهل بدل

فبمكث الماء يبقي آسناً / وسرى البدر به البدر أكتمل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً / إنما أصل الفتى ما قد حصل

فلبث غير بعيد وجاءني رده كفلق الصبح نظماً كما توقعت واشتهيت:

يا أخوي الأديب هاك مني لفتة ونظرة

ماكَ حزين براك ووحيد وماسك العبرة

في قلبي الحزن ساكن يمين في حجرة

الناس غيّرت والدنيا صبحت مُرّة

***

ماني مكضبك إت في حديثك صادق

وين نلقى النصافي وتاني مين بنصادق

بعد الصادقين "المرتضى" و"الصادق"

خلّفو في الفؤاد جرحاً منوسر وحارق

ذاد ألمو العلي يوم جانا عرمان مارق

وأما روايتك عن ابن الوردي فإنها لا تعنيني وقدوتي هنا صلاح أحمد أبراهيم ألم تستمع للمحبوب عبد السلام يحكى كيف أن صلاح كان يصطحب في غربته قطعة من تراب النيل (الطمي) ويحفظها في علب الهدايا الفاخرة ..وربما إن تدبرت "حزمة جرير" –قصيدة لصلاح- وقرأتها بعين المغترب البعيد عن داره لبدلت ما بثه ابن الوردي في نفسك.!

منذ يومين فقط وجدته online فتحادثنا على الـMessenger تجاذبنا بعضاً من أخبار وأحاديث الشركاء المتشاكسون كان متخوفاً ومشفقاً على مصير البلاد ،وعرجنا على أحوال الأمة العربية والأسلامية فأبدى تبرماً من أمراء النفط والدعة والنعيم قال أن أحمد مطر قد رسم لهم صورة ناطقة وبثني مقطعاً جد مؤلم :

ربنا ..

في أي دين

تملك النطفة في البنك رصيد؟

وألوف الكادحين يستدينون لصرف الدائنين ؟

أي دين يجعل الحق لبيت وأحدٍ في بيت مال المسلمين

ولباقي المسلمين صدقات المحسنين ؟

قلت وأنا ألخّص كل ذلك الحديث يا أخي الحال من بعضها هنا وهناك

شكوتم إلينا مجانينكم / ونشكو إليكم مجانينا

فلولا السلامة كنا كهم / ولولا المعاناة كانوا كنا

وضحكنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق